القاص :الناصري الحسين سلام
الق الق جداً حينَ تعتمد الحكي، و التّلميح، و العلامات الدّالة … تكون قد حقّقت نسبة من نجاحها التّركيبي الفنّي ، و نص (دورة الحياة ) للقاص الناصري الحسين سلام يحقق هذه النسبة . ففي أقل من ثلاثين كلمة، يختصر حلم الفقير، و تتضح رؤيته الحياتية التي أساسها الحلم. لأنّه فقد كلّ شيء. أو على الأصح جَعله الآخرُ بغطرسته، و استبداده، و شرَهه… يفقد كلّ شيء، عدا الحلم .
العنوان:” دورة حياة ” خبر لمبتدإ محذوف تقديره ( هذه ) تنكير الحياة للتّعميم والإطلاق. بالنّسبة لمن يعنيه الأمر، و هم هنا (الفقراء)، و المفهوم لغويا، أنّ للحياة دورة تمرّ بها إن كانت مكتملة : [نطفة ثم ّعلقة، ثم مضغة، ثم صبيانا، ثم شبابًا، ثم شيوخًا أو غير ذلك] و قد يتّسع مفهوم ( دورة حياة) ليشمل عدّة معاني و قطاعات مختلفة مثلا : (المراحل المتعدّدة في حياة أي خدمة تكنولوجيا معلومات ، أو حادثة ، أو مشكلة ، أو تغيير ، أو غيرها . و دورة الحياة تبين تصنيفات و انتقالات الحالة المسموح بها .
على سبيل المثال : دورة حياة تطبيق ما تشمل المتطلبات ، التّصميم ، البناء ، التّدشين ، التّشغيل ، التّحسين .
دورة الحياة الموسعة للحادثة تشمل الاكتشاف ، الرّد ، التّشخيص ، الإصلاح ، العلاج ، الاسترجاع .
دورة حياة جهاز الخادم قد تشمل : الطلب ، الاستلام ، تحت الاختبار ، فعّال ، منتهي الخدمة .–)
إذاً، العنوان يلمح بدءاً إلى أطوار، و مراحل ، و محطات … تخصّ حياةً ما ..
أمّا عن النص، فالسّارد العليم (Omniscient) يحكي عن شخص ما يلتقط أوراقاً من الأرض، من هو هذا الشّخص؟ ما صفاته؟ ما هي الأوراق الملتقطة من الأرض؟ هل هي أوراق أشجار؟ أم أوراق الكتابة ؟ يواصل السّارد الحكي، فنكتشف أنّ الرّجل يرسم على الأوراق أحلامه الصغيرة. أمانيه و رغباته، ما يجوس بخاطره…و لكنّها أمنيات صغيرة، فالرجل لا يرجو في هذه المحطة من حياته إلا أشياء بسيطة، لا لأنه لا يريد أوليس طموحاً ، و لكنه يدرك أن منطق الأشياء يستوجب الأسباب وهو يفتقر إلى كلّ شيء عدا الحلم . و يواصل السارد الحكي :” يتوسدها فينام في (الحرير) “.إنّ الأماني الجميلة رغم صغرها… كانت جميلة حقاً حين توسدها الرّجل، فمازجت مخيلته، و أحلامه، فغرق في ( الحرير) كناية عن الإحساس الرائق، و المتعة اللذيذة التي غمرته و كأنّه حقّق مراده، و انتهى إلى ما يصبو إليه ، حتّى إذا ما استفاق من نومه أكتشف الحقيقة ، و الواقع الذي لم يَتغيّر: ” لا يجد إلا رماداً، وأثافي تعتليها (حريرة) الصباح.” علامات ينبغي الوقوف عندها.
فالسارد لم يخبر بحالة الرجل سابقاً، إنما تحدّث عن أحلامه التي رَسمها رغم صغرها. و لكنّه في الخرجة/القفلة كشف إضاءة تلميحية ، جاءت على شكل علامات سيميائية دالّة : [ رماد ، أثافي، حريرة الصّباح.]
و في هذا ملمح للفقر و دورة للحياة المبتذلة التي تتكرر كأنها القدر المحتوم ، و التي تأبى أنْ تتغيّر، فاستعمالُ الحطب حتّى يصبح رماداً بين ثلاث أحجار / أثافي، و حريرة الصّباح ، الحساء بالدّقيق أو السّميد في أحسن الأحوال، و التي هي أكلة شعبية يَعتاش عليها يومياً جمهور غفيرٌ من متوسطي الدّخل أو الفقراء.و المفارقة في النص بين ما يأتي به الحلم (الحرير) و ما هو في الواقع (الحريرة )، فرغم تقارب جِناسهما، فهناك بعد و فرق في دلالتهما!
النص بلغته، و حكيه، و تلميحه، و علاماته السّيميائية …يدخل في إطار: الإ بداع الاختلاقي (Invention) الذي ينطلق من الواقع ، و يعود إليه، محقّقاً دورة أساسها المُزاوجة بين المَوهبة، و الواقع ، و سحر الخَيال .
فالنّص لا ينتهي هنا. بل ينفتح على تَساؤلات إجتماعية، و اقتصادية، و سياسية، و في نفس الوقت تساؤلات ذاتية.
و كلّما كانت تركيبة، و بنية النّص حبلى بالأسئلة ، كلّما كان ناجحاً. لأنّه يشغل الفكر، و يستفزّ العواطف، و يَكتسح الخمول و التّقاعس ، ويوحى ما يوحى من كيانات التّخييل (Entités de fiction) و وجهات النّظر . التي الوقوف عندها، و دراستها ، و تحليلها…يحيل على فلسفة التغيير، و البحث عن البديل.
لهذا كان هذا النص،للقاص الناصري الحسين سلام، هاماً، و هادفاً… رغم بساطته، و ابتعاده عن الغموض و الابهام…
تحياتي / مسلك