عبدالرحمان الخرشي
هــل أنت مستعد لأن تسامــح؟
ما التسامح؟ التسامح لغة من مادة( س م ح )؛ وهي مادة لغوية غنية بالمعاني
وبكثير من الدلالات؛ منها: العطاء، والجود.. والمسامحة تعني( المساهلة )،
وتسامحوا بمعنى( تساهلوا )؛ وبناء عليه فالتسامح هو التساهل.. وهو مصدر
مَقِـيسُُ ُ لِـتَـفَـَاعَـلَ، يؤشر لذلك( ألف المشاركة ).. وصفة( التسامح )
تدل على كل من اتصف بخلق كريم يتجاوز به نفسه، ويسامح في حقه .
وعلى ضوء ماسلف؛ فالتسامح هو التساهل، أي السهولة واليسر، والاتساع كما في شريعة ديننا الإسلام السمح أيضا .
والتسامح مصطلح قديم في ديننا عرف باسم( السَّـمَاحَـة )(1) و(
الـسَّـمْـحَـةِ ).. وقد استعمل في سياقات لغوية متعددة. وهو- في ديننا
الحنيف – مبدأ أصيل له معاني عدة؛ أذكر منها
– إحسان فوق العدل .
– الجود .
– التسامي عن السفاسف .
– مسامحة الناس، والعفو عنهم، وتجاوز زلاتهم .
– ظن الخير في الناس .
– حمل الناس على أفضل المحامد .
– التجاوز عن الحقوق للآخر …
أما القرأءة النفسية للمفهوم فهي تفيد اعتبار التسامح شعور بالمشاعر
الإيجابية فينا.. وكبح ُ ُ للمشاعر السلبية- مهما فـُـعـِـلَ لنا – وذلك
بالتعاطف، والرحمة، والحنان نحو من آذانا: أخا، أو صديقا، أوجارا، أو عضوا،
أو رئيسا، أو مرؤوسا، أو مارا ببابنا في هذه الحياة.. دون كره له، أو غضب
منه.. وإن اسـتـُعْمـِلَ للممارسات الفردية هكذا، فإنه استخدم للممارسات
الجماعية .
وفوق كل هذا؛ فالتسامح فوق ما نظن. فهو إحساس بالسلام
الداخلي في النفس ومع الآخر ما لم يكن هذا الآخر قد عمد إلى طردك من أرضك
وجثم عليها، أو انتهك عرضك، وحرماتك.
وقد ثبت علميا أن الشخصية المضطربة، القلقة، لا تعرف التسامح أبدا . وأنها لم تجرب لذة العفو، ونسيان الإساءة.. ويا لها من لذة !.
والتسامح- أصلاً – يأتي من إنسان قادر على إيقاع العقوبة، لكنه يحجم عنها إلى تمتيع من أساء إليه بهدية( العـفـو ).
ومما لا مراء فيه إن مبدأ التسامح عظيم، لأننا جميعا نطلبه ونريده.. فنحن
جميعا نرتكب الأخطاء بدرجات متفاوتة مع غيرنا.. وتكون لنا الحاجة لمن يصفح
عنا، ويحلم، ويعفو علينا، ويسامحنا، ليصنع لنا بذلك معروفا ندين له به ما
حيينا .
فمن الأدلة الساطعة النيرة على أن ديننا الحنيف قد احتفى بالتسامح أذكر:
1 – في القرآن الكريم: رب العزة والجبروت قد دعانا في نصوص قرآنية طافحة بالسمو إلى التسامح أي العفو؛ في سورة الأعراف( آية: 199 ) لما قال:( خذ العفو وأمرهم بالعرف وأعرض عن الجاهلين ). وفي سورة النور( آية: 22 ) لما قال:( وليعفوا وليصفحوا، ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم ). أما في سورة المائدة( آية: 13 ) فهو يأمر؛ وأمره مطاع:( فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين ). وفي سورة الشورى(آية: 40 ) وجدته أكد على أجر من عفا:( فمن عفا وأصلح فأجره على الله ).
2 – في الحديث النبوي الشريف: الرسول الأعظم قد أشاد بمن عفا، وسامح قائلا:( ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا ) وأيضا نجده يقول:( لا يعفو عبد عن مظلمة إلا زاده الله عزا يوم القيامة ). وها هو ذا- عليه صلوات ربي وسلامه – يذكر بالعاقبة، ويدعو إلى التسامح فيقول:( اسمح يسمح لك ).
3 – فهؤلاء نبهاء الأمة، وعقلاؤها، وحكماؤها الأفذاذ ينثرون الدرر نثرا وشعرا؛ في أزمنة مختلفة؛ فهذا علي بن أبي طالب – كرم الله وجهه – يؤكد حقيقة سلفت بقوله:( أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة ). وهذا عبد الله بن المقفع – لله دره – يدعو إلى التسامح مهما عظمت الإساءة فيقول:( أحسن العفو ما كان عن عظيم الجـُرم ). أما الشاعر مصطفى الغلايني(2)؛ فهو يبصم بالعشرة على المعاني السابقة في ديوانه بقوله:
سامح صديقك إن زلـت بـه قـدم …….. فلـيس يسلم إنسان مـن الــزلل
وهذا محمد بن إدريس الشافعي- رحمه الله – ألتقطت من ديوانه هذا البيت الشعري النفيس يدعو فيه إلى التسامح وما يعضده عند المسلم :
وعاشر بمعروف، وسامح من اعتدى ………. وفارق، ولكن بالتي هي أحسن
وهل هناك ماهو أشفى للغيظ، وأعمق في الدلالة من قول سيدنا عبد الله ابن مسعود- رضي الله عنه – حين قال:( من يغفر يغفر الله له، ومن يعف يعف الله عنه ).
4 – وهؤلاء عظماء الشرق والغرب يبصمون بصمة الإسلام على هذه المبدأ الأصيل؛ فهذا غاندي يقول:( إذا قابلت الإساءة بالإساءة فمتى تنتهي الإساءة؟ ) أما ( آل نهرو ) فيقول:( النفوس الكبيرة وحدها تعرف كيف تسامح ). ولله در( ساكي ) حين قال:( العفو عن الإساءة انتقام رقيق )! .
فهل أنتَ أخيِ مستعد لأن تسامح، وهل أنت أختي مستعدة لأن تسامحي؟. الظرف مناسب جداً
————————————–
(1) إِنَّ السَّماحَةَ وَالمُروءَةَ وَالنَّدى
……… في قُبَّةٍ ضُرِبَت عَلى ابنِ الحَشرَجِ.
(2) ولد في بيروت سنة 1302هـ 1885م، وتوفي بها سنة 1361هـ 1944م