قصائد للشّاعر الإسلامي د حسن الأمراني

الشاعر د حسن الأمراني

لا عينَ إلا همتْ صبوةً للمدينة.

ومن ذا سواها سيأسو الجراح الثخينة؟

الحبّ والكلمات

(1)

رعدٌ وبرقٌ، فيهما ظُلماتُ 

والعالمونَ جميعُهُمْ أمواتُ

أين الحياة وطيبُ بهجتها إذا   

 هُبلٌ تولّى أمرَها ومناةُ؟

قِطَعُ الظلامِ تقول: لا شمسٌ غداً

  والموقدون شموعَهُم قد ماتوا

فاحملْ متاعك وارتحلْ، أو مُتْ فما

في النّاسِ غيرَ الغافلين سَراةُ

لكنّ نوراً يهتكُ الحجب التي

  صلى لها الكهنوتُ فَهْيَ رُفاتُ

وجبالُ مكّة شوقُها متَجدّدٌ 

    لِفتىً قُنوتٌ ليلُه وصَلاةُ

نزحتْ دموعَ العينِ أهوالُ الورى  

 فالرَّكْبُ ضلَّ وما عليه هُداةُ

والأرض مغبرّ قبيحٌ وجهُها

   لا زيتَ، لا مصباحَ، لا مشكاةُ

ما زال عند حراءَ يبسط كفّه   

 حتى تلقّتْ حبّهُ  نفَحاتُ

“اقرأ” تعالى الله محكمُ نسجِها

   يعنُو لها الإنجيل والتوراةُ

فإذا الوجودُ رسالةٌ أزليةٌ

  قالتْ: “بلى”، فانجابتِ الكُرُبَاتُ

نهضت مجرّات العوالم نحوه  

  تسعى بها للمصطفى صبوات

سلمانها، وصهيبها، وبلالها  

  والنيلُ من رحِمٍ له رحماتُ

لا حزنَ بعد اليومِ، تحتَ لوائه 

  كلّ الأنامِ محبّةٌ وصلاتُ

“أرني” على شفة الكليم و”لن ترى”

   الطّور من قبسيهما خفقات

والسّدرة الغرَّاءُ كان محمدُ

   تاجا لها، و”لقد رأى” آياتُ

فاشربْ بكأسِ الحمْدِ ساطعةَ السّنا

  فسناك للباغي الحياةِ حياةُ

(2)

طُوي الزمانُ كأنّهُ ما شاهدتْ

  عيناه كيفَ تُصرّفُ الغمراتُ

 إنّ الزمانَ قد استدارَ، فهاهنا  

   عُزّى تصولُ، ومن هنالك لاتُ

 والرِّدَّةُ الحمْراءُ تُبْعثُ، لا أبا 

   بكرٍ لها، فرزاننا مِقلاةُ

 إن يسْألوك عن الخوالفِ، قل لهمْ:

  قُدْ ضُيِّعوا مذْ ضاعت “الحجُراتُ”

 في كلِّ ركْنٍ فتْنَةٌ أعلامُها

   نهضتْ على اسم الله وهْيَ غواةُ

أنَّ العراقُ ففي رباه جحافلٌ

سجدتْ لكسرى، وجهُها إخباتُ

والشامُ للرومان فيه قنابلٌ

 تعلو لهم في جوفها صرخاتُ

والعُرب ليسوا غير طيفِ قبائلٌ

   نهضوا إلى الدنيا وهمْ أشتاتُ

ودمشق! كيف تركتها؟ أولم تزلْ

   تعْلو بها لأمَيّةٍ راياتُ؟

أم أنّ قيْصر داس كلَّ مليحةٍ

  فدماؤها جأرتْ بها الساحاتُ

من ألبس اليمنَ السعيد عباءةً

تشكو لظاها لُحمة وسداة؟

آلحكمة انطفأتْ، وغاض سراجُها

حتى خلتْ من نورها العَرَصَات؟

ظمئتْ خلاياها إلى أقداحها

ومُعاذُ قد حنّتْ إليه سُقاةُ

أوقدْ سراج القلب تنبجسِ الرؤى 

 وتشعَّ من سُبل السلام دواةُ

قاتلْهمُ بالحبِّ تمنَعْ بأسهم 

  وتنلْ بهِ ما لم تنلهُ قَناةُ

وتلنْ قلوبهم التي قد نُشّئَتْ   

  تلهو بها البغضاءُ والنزغات

 (3)

تعلمت أن أجعل الذكر أرجوحة

    فبكلّ قُطْرٍ من دمي قطراتُ

روحي سبتها وردةٌ مجهولةٌ 

  وأمام عيني تخطر الزَّهَراتُ

مثلَ المحبّ يكاد يقتله الظما 

 وبراحيته “دجلةٌ” و”فُراتُ”

قد تشربُ الصحراءُ بعض مواجعي 

 حينا، وترشفُ دمعَتي الغاباتُ

حتى أويت إلى حماكَ فكان لي  

منْ راحتيكَ  مَواهبٌ وهباتُ

 حسبي إذا شَغلَ الأنامَ متاعهُم   

  آتي إليك وزادي القُرباتُ

“وأعفُّ عمّنْ” نفْحةٌ تصفو بها

   صُحفي فلَيْس تشوبهنّ شِياتُ

كل الضغائن للجحيم مصيرها  

 والخالدانِ: الحُبُّ والكَلِمَاتُ

وجدة: صفر 1438 ه /نونبر 2016م

           القرية المطمئنّة

حن في قريتنا نحيا بأمنٍ وسلامْ

هكذا صغنا مزاميرَ الهوى من ألف عامْ

لا ترى النَعْجةَ تخشى الذّئْبَ في قريتنا

حيثُ لا ذئْبَ بها، إلا أغاريدُ الحمامْ

من أيادي أهلنا يلتقطُ الحَبَّ اليمامْ

وإذا داهمنا الجدْبُ سقانا نهرُ موسيقى، وأنداءُ غَمامْ

علّمونا منذُ كنّا في بياضِ المهْدِ زُغْباً،

وأراجيحُ الشذا ترفعنا أعلى مقامْ:

نحن لا نعدو على شيخٍ، ولا طفلٍ، ولا طيف امرأةْ

لا ولا راهبِ ديْرٍ، لا ولا نبتٍ، ولوْ زيتونةٍ مهترئةْ

فسمِعْنا وأطَعْنَا

وفرشْنا الهُدبَ للضيفِ، وللجارِ،

وما السّيف سوى درعٍ لردّ القتلة

عن ضعافٍ مالهمْ بالدم من قبلُ صلة

وأفقنا ذات يومٍ، وعلى الأفْقِ سَحابٌ من جرادٍ كالجُذامْ

يحجبُ الرؤية عنْ أبصارنا، لا نجْمَ في الأفْقِ،

  ولا كأسَ بأيدينا تُرَوّي حُلْمنا حتّى الجَمَامْ

مثلما كانتْ ليالينا التي أزهر فيها قمرٌ من ألف عامْ

كيف نحمي حقْلَنا الأخضرَ من موتٍ زؤامْ؟

كيف نغْذو الزُّغْبَ إن طافتْ على الحِنْطةِ أفواج اللئامْ؟

كيف نَحْمي رايةَ الحُبّ، وعنْقُودَ الوئام؟

أيّها اللابسُ ثوبَ الحكمةِ الخضراءِ فينا

أفْتنا في أمْرنا، أوشكَ أن يقتحمَ الكونَ الظّلامْ

وتجلّى صاحبُ الحِكْمَةِ وضّاحَ الكلامْ:

وأَعِدّوا يستقمْ أمركمُ بين الأنامْ

قدْ رفعتمْ سدّكمْ من ورق السِّلْمِ،

وأعليتمْ من الحُبِّ صروحاً لا تُضامْ

غير أنّ القتلَ ينفي القتْلَ، والسمَّ يردُّ السمَّ،

فاحموا بيضة السّلْمِ بما يُمْلي من الحكمةِ تِبْيانُ الحُسامْ

ينبجسْ من تحتكمْ نَهْرُ السّلامْ

ثمّ صَلُّوا للسّلامْ

واهتفوا: أنتَ السّلامْ

                     وجدة: 9 جمادى الأولى 1438 ه / 7 فبراير 2017

القلب إن حكى

تعلّمتُ منك التبتّلَ لله ربّ البشرْ

تعلّمتُ منك البكاء اللذيذ  بجوف السّحرْ

تعلّمتُ منك التضرّعَ للهِ، ربِّ المساكينِ،

كي يضع الإصر عنهمْ

ويرفع عنهم لظى المستبدّينَ، إن هم أنابوا

وحقَّ على الظالمينَ العذابُ

يقولُ ليَ القلبُ:

لا تطلبِ العفوَ من أحدٍ

فكلّهمُ مذنبونَ

وكلّهمُ ذو شِرَة

واطْلُبِ العفوَ ممّنْ إذا جئتهُ بقراب خطايا

أتى بقرابٍ من المغفرة

تعلّمتُ أن أجعل الذّكْرَ أرجوحةً في السّفرْ

وألا أغادرَ، أو أبرحَ الأرض، أو أُسْلِمَ الجفْنَ للنَّومِ

حتّى أرتّلَ ما قدْ تيسّرَ من (آلِ عمرانَ) و(الأنبياءِ)

لكي ألتقي بك تحت بهَاءِ (القمرْ)

ونتلو سويّاً: (إنّ المتّقينَ في جنّاتٍ ونَهَر)

الربيع القادم

ناولنّي من بساتينكَ ما يُذهب جوعي

واسقني من كوثر الأشواقِ ما يرْوي ضلوعي

هم يقولونَ: الذي أقبل ما كان ربيعا

وأنا أبصرتُ خلْف الغيمِ أزهارَ الربيعِ

هل سوى صدركَ يُعطي ما به يخضلُّ في الفجر ربيعي؟

إنّني من ألفِ عامِ

أرتجي صوْبَ الغَمامِ

إنّني من ألفِ عامِ

لم يُلامسْ روضتي غير الجَهَامِ

خيمتي مهجورةٌ بين الخيامِ

هيّجتْ راحلتي الريحُ، فأحلامي بقايا من حُطامِ

غير أنّ القلبَ من قبلِ الختامِ

أسْرَجَ القنديلَ لمّا لحتَ من خلْفِ الظَّلامِ

نجمةً قُطبِيّة تهدي جماهيرَ الأنامِ

للسلامِ.

وجدة: 17 رمضان 1437

نعــــــــي

أمسيتُ وحدي، لا رفيقَ ولا دليلْ

من بعدما رضيَ الأحبّةُ بالرحيلْ

(إذا ترحّلت عن قوم ٍوقد قدروا

ألا تغارقهم فالراحلون همُ)

ماذا لو انتظروا قليلا؟

إنّ زهري ذابلٌ عما قليلْ

وسفينتي غرقت،

وشمس العمر تؤذن بالرحيل.

                              سحر 19  20 رمضان 1437

أصـــــــــوات

إلى الشاعرة غيتا شابرا وقد أشجتنا بابتهالاتها

وإلى شهاب غانم وقد قرب هذه الابتهالات إلى قراء العربية

صوتُ إقبالَ وطاغورَ مع الفجر أتاني

فشجاني

كنشيد مونق في مهرجانِ:

“إن من يسلك دربَ المجد يا خلِّ يعاني”

وأرى صوتَكما امتدّ كنهر من أغانِ

فسباني

ومضى يوقظ في الروح تراتيلَ حنين وحنان

فإذا قلبيْ كعصفور شذى يرتع في حقل الطفوله

طائرا يلتقط الحُبَّ وإيقاع البيانِ

من أزاهير الخميله

حين أوتارُكِ ، غيتا

عزفتْ “يا خالقي…” اهتز كياني

ورأيت ‘الكنجَ’ قد سبّح لله المجيد

كلُّ شيء في الدنى سبح لله، فيا لله ما بالُ العبيد ؟

أيها المغرور طامنْ لحظةً من كبريائك

وتذكر بعض مائك

أنت من ماء وطين

لست نورا كالملائك

وطريقُ المجد شائك

فتزود باليقين

آهِ يا ذكرى ببال الشاعر الجوالِ،

يا طيفَ حنان أرجواني

عندما أنتِ عزفت اللحن فاخضلت رياحينُ الجِنان

أبصرَ العاشق ما يوقظ أشواقَ الربيع

‘كنج يمنا’ مدَّ كفيه إلى ‘أمّ الربيع’

فهما كالأم والطفل الوديع

عاشقانِ

قل لكبلينغ وقد قال “الغرب والمشرق لا يلتقيانِ”

هاهما يتَّحدانِ

لمن المشرق والمغربُ ؟

لله، فلا تعجب إذا البرزخُ ما بينهما قال “أُمِرْنَا فَأَطعنا”.

فإذا المشرق والمغرب طيفان على مرّ الزمانِ

يسجدانِ

شاعر جاء من المغرب عطشانَ الدنان

فأفيضي من زلال الفن ما يهدي الحيارى لبساتين الأمان

ثم فيضي، مثل نور الفجر دفّاقا، بأنهار الحنانِ

الشارقة: السبت 25صفر 1435 الموافق ل 28 \12\2013

مفتاحها القرآن

اقرأ كتابك فالمدينُ يُدانُ

وابعث ركابك فالحياة رهانُ

إن كدّر الأفق الجميلَ سحابةٌ

لا تذهبنّ برْشِدك الأحزانُ

“أشكو لك اللهمّ قلّة حيلتي”

هي للمحبّ إلى العروج عِنانُ

إنّ المحبّ إذا تعلّق بالسهى

أصغى إلى نبضاته كيوانُ

والقلْبُ أذعن في مقام محمّد

فإليه آل الحُبّ والإحسانُ

لو كانَ لي أفرغتُ كأسَ قصائدي

في راحتيه لينهل العطشانُ

أو كانَ لي كسّرتُ أقلام الهوى

إلا هواه فإنه الإيمانُ

إنّي أنا المنبوذُ، أمضغ غربتي

لم تدر دربّ سفينتي الشطآن

مولاي، إنّي عاشقٌ، لولاك ما

عرف السّبيلَ لقلبيَ الخفقانُ

ولنور وجهك كلّ نبْضٍ مذعنٌ

هل طاب إلا عندك الإذعانُ؟

فانفخْ بهذا القلبَ روحكَ ينتفِضْ

وعسى تمزّقُ هذه الأكفانُ

عاقبتنا عدلا، فأصبح بأسُنا

ما بيننا، واهتزّت الأركانُ

فامنح لنا، فضلا، إمامةَ راشدٍ

نور الهدى في كفّه الميزانُ

جلبت الحادثاتُ بخيلها

وبرجلها، وترجّل الفرسانُ

وأشد أعداء النفوس شراسةٌ

كم ذا تضجّ لهولها الولدانُ

والنّفسُ أخبث من عدوّك فاحترسْ

ما لم تصنْها، والحبيب يصانُ

بئرٌ معطّلةٌ هي النفْسُ التي

لم تجلُها “الأعراف”   و”الرحمنُ”

مولاي، قد نحتوا الهوى صنماً لهم

فإمامهم فرعونُ أو هامانُ

تاه الدليلُ، فتاه من في ركبه

وغدَا يسوق المبصرَ العميانُ

قم يا جوارَ أبي حنيفةَ أفتِهِمْ:

أيشيدُ أخلاقَ الرجالُ “سنانُ”؟

والعلقميّ إذا يبثّ عيونه

أيظلّ بين العالمينَ أمانُ؟

وثَبتْ على الزرع المنيف عواصفٌ

وقواصفٌ، واستحصد البنيانُ

أين الزهورُ، وأين طيب عبيرها؟

أين التّلالُ العُفْرُ والغدرانُ؟

وخمائل الحبّ المقدّسِ أقفرتْ

وتهدّلتْ من بؤسها الأغصانُ

رحماكَ ربي، إ نّ أفضل أمّة

ضلت، وبين أكفها الفرقانُ

إنّ المحجّةَ لا يضلّ بها شجٍ

وبنور وجهك تهتدي الركبانُ

يا قارئ القرآن، دونك سندسٌ

واللؤلؤ المكنونُ والمرجانُ

فانسج على نول الحبيب عباءةً

إن الفتى من دونها عريانُ

قل للمدينة: يا مقامَ نبيّنا

قد صار يُعبد عندك الأوثانُ

يا شمس يثربَ، ما كسفتِ وإنّما

كسفت قلوبٌ حشوها الديدانُ

يا آل ياسر من يعير عزائما

بجلائها يتصدع الإيوانُ

لا الصخرُ فوق الصّدر يطفئ وقدها

أبداً، ولا نيرانها النيرانُ

نار الخليل تألق التوحيدُ من

لألائها، والروح والريحانُ

كلّ الدروب أمامنا مسدودةٌ

إلا التي مفتاحها القرآنُ

الأطلس المتوسط 15 ذي القعدة 1437 /17 غشت 2016

ركابُكَ الدمع

أرسل ركابَكَ تبلغْ منتهى السَّلَمِ

وما ركابُكَ غير الدمع في الظُّلَمِ

لكم أراود حرفاً ما يطاوعني

ماذا أخطُّ ولا لوْحي ولا قلمي؟

ماذا أخطُّ ! وفي الوجدان عاصفةٌ

لوّاحةٌ، ويدي مغلولةٌ وفمي؟

تقول قانتةٌ والدمْع يسبقها

شوقا إلى ساح خير الخلق كلّهم

” يا ليت قلبي قرطاسٌ تخطّ به

فإن فعلت فهاك الحبْر بعض دمي”

يا صاحبيْ سفَري، قد رابني بصري

فكيف يلحق ركبَ الراحلين عمِ؟

يا صاحبيَّ سرتْ ليلا خيولكما

فأصبحت عند بيت الله والحرم

فكيف تدرك خيلي نفع خيلكما؟

يا صاحبيّ وخيْلي دونما لُجم؟

تخوض بحرَ الهوى من جهلها سفهاً

وتدّعي حبّها للمفْرد العلم

من ذا يبشرني؟ من ذا يطهّرني؟

من ذا يُحرّرني، والقيد في قدمي؟

وللذنوب وإن سرّتْ مرارتها

وبهجة تنتهي للحزن والألمِ

ولا خلاص سوى لطفٍ يجود به

ربّ العباد، فيحيي دارس الرّممِ

مولاي جئتك محزوناً وبي خجلٌ

مما جنيت، وثوب العُمْر كالحلم

أمّارتي أسرفتْ، هل توبةٌ لفتى

ما زال يغرق في دوّامة النَّدم؟

يا صاحبيّ، وكم بالروح من عطشٍ

به أنوء، وكم بالقلب من سقمِ

هل من سبيل إلى كأسٍ فأشْرَبها؟

نوريّة النبع ربّانية النسم

قد كاد يفتك في الصحراء بي ظمئي

وكاد يفْلق شوقي الصخرَ من أمم

مولاي جئتك محمولا على ندمي

فهل إلى توبة من حمْلي العرم؟

نادى منادٍ وقد ضجتْ حناجرهم

يا من وردت بلغت السَّعْد فالتزم

واذبح هوى النفس، وارجُمْ شهوة عرضتْ

واحْلقْ وحَلّقْ كما العقبان في القمم

واغسلْ فؤادك بالقرآن مشتملا

بالذكر والفكر واحذر زلَّة القدم

وصلّ من أجل من باتوا على وجلٍ

من بطش طاغية ولاغةٍ نهم

أحلّ سفك دم المستضعفين فما

يخشى عواقبه في الأشهر الحُرم

يُذبّحُ الشَّعْبَ والخرفان صامتةٌ

إلا من الآه لا تنْجي من النقمِ

أحْرمت عن قتلِ طيرٍ في ذرى الحرم

متى ستُحْرم عن صمتٍ على الظلَمِ؟

يا عابد الحرم انهَضْ فالقلوب بكتْ

وابذل على حبّه السَّلوى لكلّ فمِ

كم آهة قطّعت أحْشاء أرملة

كم زفرة صعدتْ من مدنف هرمِ

يا من سريت إلى الرحمن من شرفٍ

ونلت ما لم ينله الخلق من كرمِ

حتى اقتربت وجبريل الأمينُ له

حدٌّ، وقد أبت بالآيات والحِكمِ

لقد أصاب قلوباً في جوانحنا

من داء من قبلنا ما حزَّ في الهممِ

لسنا نصُدّ عدوّا عن مرابعِنا

كأننا أمة جدعاء في الأممِ

ولا نردّ ذئابا قد عَدَتْ سحراً

وكيف يدفع من يرعى مع الغنم؟

رحماك ربي، لقد شالت نعامتنا

وقد مددتَ إلينا خير معتصمِ

قلوبنا الغلْفُ، من إلاكَ يفتحُها؟

ومن سواك يداوي آفة الصمَم؟

الشارقة، الثلاثاء 29 ربيع الأول1433
21/02/2012


المئذنة الجريحة

الطير قد رجعتْ إلى أفنانها

نشوى بما لقيتْه من تحنانها

كم غابت الورقاء عن أوطانها

دهرا، فهاج الشوقُ من أشجانها

وتأوهُ الأوتارِ يسكبُ لذةً

للشاربين تُفيض من ألحانها

و”القصرُ” كيف وجدته؟ مزج البلى

شطآنه بالعُفْر من شطآنها

ضربتْ تصاريفُ الزمان على الذي

أبقته ذكرى نازحٍ بجرانها

لكنّ أوردة الحنين بأضلعي

تذكي عهود طفولتي بجنانها

يوم انطلقتُ مع القطيع مغرّدا

أحدو بأنعام إلى غدرانها

وإذا الغزالة أرسلتْ أضواءها

لمعت بروق الحسْن من غزلانها

بسط الأحبّةُ لي جناح مودّةٍ

ممزوجةً بالطّيب من أردانها

قلّبْتُ وجهي في الرمال كأنّما

قيسٌ رأى ليلى على كثبانها

بوذنيب هذا أم كتاب مشْرعٌ

يروي قصيد المجد عن فرسانها

من ذا يخفف من جوى إقبالها

أم يصرف الأشواق عن حسّانها؟

وأنين مئذنة تفيض جراحُها

كم حرّك الأشجانَ طيبُ أذانها

حتى رماها مجرمٌ فتأوّهتْ

من لوعة الذكرى ومن نيرانها

إذ جاء (كاليني) معدّا كيْده

يلقي كلاكله على وديانها

غاظته مئذنة فأقبل مسكتا

صوتا كطيب العطر من ريحانها

ورمى بنار الحقْد برجيها عسى

يستسلم الأبطال من فتيانها

فإذا سواعدهم رماحُ أعزةٍ

عَجَمَ الزَّمانُ المُرُّ من مُرَّانها

لمْ تحْنِ من شممٍ إباء جبينها

ودم الوريدِ غدا خضاب بنانها

من ذا يردّ اليومَ حسن شبابها

إن تخمد الأشواقُ في شبّانها؟

يا أمّة نقصَ العدوُّ بلادها

واستخرج المخبوء من أحزانها

لن يَرجِعَ التاريخُ مجدَ أعِزَّة

إلا بنور الصُّبح من قرآنها

وجدة: 27 مارس 2015

المئذنة الجريحة: هي مئذنة “بوذنيب” التي كان أول ما استهدف المستعمر بمدافعه يوم دخوله المغرب، وكان القائد الفرنسي غاليني من رجال الحملة.

أرج الحجاز

(من فنّ المعارضة)

العاشقون تعبّدوا الغيدا

وأنا عشقت لحبّه البيدا

سيّرتُ في الصحْراء أشرعتي

فاخضرّ ما قد كان مجرودا

أرج الحجاز أنار درب فتى

أضحت له الصوات عنقودا

لا صحْو يأسره ولا سَكرٌ

مذ صار للمحبوب مشدودا

ولثالث الحالين لذّة منْ

أضحى لنور العرشِ معقودا

حتّى إذا ما الشّوقُ أطربني

غنّيتُ، لا وتراً ولا عودا

لكنّه القرآن من عجَبٍ

يعْنو له مزْمارُ داودا

قد أيقظ الأشواقَ في جسدٍ

ما كان بالأشواقِ معهودا

وغدا عميد القلب منجذبا

من لمْ يكنْ منْ قبلُ معمودا

يا حبُّ، نورُطَ دلَّ كلَّ عمٍ

وفتحْتَ باباً كان مسدودا

القُبَّة الخضْراءُ موعدُنا

يا طابَ ميعاداً وموعودا

يا ربّ، فاض القلْبُ مِنْ ولهٍ

فبلغْتُ ما قدْ كان مقصودا

لكنَّ جُرْحيَ أمَّةٌ شردتْ

زرعٌ ذرتْهُ الرّيحُ محْصودا

منْ ذا سواكَ يَردُّ شاردةً

ويُقيلُ عثرة رائدٍ حِيدا؟

فانْشرْ ثيابَ الجُودِ مَغْفِرةً

يا مَنْ ملكْتَ العفْو والجُودا

19/08/2016

أنا طائر لم يحن بعد موعده

مشى، إذ مشى، كالحمام

على الأرض هونا، وقال: سلام

سلام على العابرين إلى النور،

لا ضوء يغريهمُ، رغم طول الظلام

بلادي، أنا طائر لم يحن بعد موعدهُ

فخذي من ثمار فؤاديَ ما شئتِ،

لا أبتغي يا بلادي جزاءً،

ولا أبتغي من هُوِيَّ شُكورا،

                 وحسبيَ حسن الختام

لكي أربح الأرض أمسحُ دمعة طفلٍ رمته السهام

وأحمي من النار ريش الحمام

لكي أربح الأرض أفرش خدي لرجْل بلال

وأجعل رحلي على متن ظهري وأركب حرّ الرمال

وأختار منفاي وحدي

وأختار لحدي

بأقصى المنافي، وأكتب عهدي

لمن جاء بعدي:

ترفّق بقافلة الغرباء

ودوّن قصيدة شعرك فوق لحاء الشجرْ

وألحِقْ وصاياك أرض تبوك

وقل: يا غزالة إنّ الرسول بجهد وحرّ

فكيف تطيبُ الخيامْ

تزيّنها نضرةٌ ونعيمٌ، وخفق غمامْ؟

لكي ترث الأرض أحسنْ لأمّ الفراخ التي جعلتك

         زمان الطوى سيّد العاشقينْ

وأعطتك أجنحةَ الحلم، والتحفت عدّة الصابرينْ

 ولا تنس جارك تحت الأنين

 يقضقضه الجوع،

والجوع يصنعنه سادة (الوول ستريت)،

 وشيعَتُهم من بلادك،

من زدتَ في أرضهم سنتيمترا بصمتك عنهم

فباعوك، بالثمن البخس، للعابرين

 ولا تنس شعبك،

غنّ له أغنياتٍ تعيد إلى الروح صبوتها وأعدّ الطعام

وقبل الطعام تجهز لتشحذ همّته إن هم أسكنوه الخيام

وقد صار موئل ذكراه والساكنوه بقايا حطام

ولا تنس يا صاحبي في الزحام

 تبتّلَ ساجدةٍ هيجتها سهام الفراق

 فراحت تناجي: عراقُ…عراقْ…

ونادتْ بجوف الظلام: إلهي، أعدني لنخل العراق

    وماء العراق

إلهي، ومالك أمريَ، إنّ العراق بلادي،

 فأنبت به يا إلهيَ بساتين حبّ،

تمدّ جوانحنا سكَناً، وربيعاً،

تجيء إليه الفراشات سكرى،

                 ويأوي إليه اليمامْ

صعدت، ضحى، جبلا لم يزره سوى صيّب من غمامِ

فأبصرت زهرة كاميليا تتضرعُ وسْط نسيج الحلكْ:

 أموْلايَ، أرضي ظامئة للسلام

وأنت السّلامْ

وأبصرت ياقوتة العرش تهتف باسم الملكْ

ولما تجلت عرائس ترفل في أرجوان السلام

وغادرني، بعد طول عناء، سقامي

تجلى أمامي

يقول: ترفق، فرفقك بالخلق كنز النفوس العظام

ولا يفتننك قول الذي قال: روّ ولا تتردّد شفاه الحسامِ

فلا ريّ إلا الذي يهب القلبُ للسائرين بجوف الظلام

عطاشاً إلى اللهِ: ربّ أجرنا فأنت السلامْ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.