ما لا ينبغي في كتابة ( ق ق ج ) (1)

ما لا ينبغي في كتابة ( ق ق ج )

لا شك أنّ لكلّ فنّ ضوابط و مسلّمات على ضوئها يمتدّ الفعل الابداعي. و في نفس الوقت يمتلك موانع وحدودا لا يحق اختراقها بأية صفة أو مسوغ، و لو كان ذلك باسم حرية التّعبير، أو الشّعرية بحثا عن الجديد و رغبة في التّجريب.. و ذلك ليس حصرا للإبداع، و لا تضييقا على المبدع…
فإنّ الـ ( ق ق ج) كغيرها من الفنون و بخاصّة الفنون السّردية، حافظت منذ نشأتها على أقانيمها الخاصّة و بنائها المنطقي ( logical from) الذي هو مجال المنافسة الكتابية. و إنّ حاولت بعض الأقلام أن تتجرأ على هذه الأقانيم، و أن تتحاشاها فأتت بكتابة هجينة لا تمتّ للـ (ق ق ج) بأية صلة…و هذا ليس جديدا فحين ظهر الشّعر الحديث أواخر الأربعينات و انتشر في الوطن العربي، رغم رفضه من طرف المحافظين و لهم مسوغاتهم في ذلك.. فإنّ من رحّبوا به قلّة متميزة، حافظت على خصائصه، و أبدعت في إطارها.. بينما طائفة عريضة، متطفلة، أقدمت بفؤوسها و مناشرها فطمست معالم الخصائص، فأصبح الكلام العادي شعرا، و احتار النّقد في هذا الرّكام الذي ما فتئ يزداد يوما يعد يوم. فبعد أن كان الشّعراء على طول و عرض الوطن العربي يُعدّون على رؤوس الأصابع..أصبح أشباه الشّعراء و الشاّعرات يُعدون بتعداد النّمل. ! الشّيء الذي أصبح ينطبق على (ق ق ج)…فباسم التّجديد، و الحداثة، و التّجريب تارة، و باسم حرية الابداع تارة أخرى، انتهكت حرمة هذا الفن الجميل…

فمن الأشياء التي ينبغي تحنّبها في كتابة (ق ق ج )

1) مسألة الاخبار. القاص ليس صحفيا أو مخبرا يدلي بتقرير ما، بل هو كمارٍ بشارع فيعترضه عارض ما، فيلفت انتباهه، فيندهش الجميع لالتفاتته فيسعون لمعرفة السّب، فتكون لكلّ واحد ارتساماته، و استنتاجاته.. علما أنّ السّارد هنا لم يخبر بشيء إنّما وقف، و استوقف، و ترك مسألة العارض الذي اعترضه تتمخض و تتأوّل في أذهان من حوله. فوقفته الصّادمة المفاجئة كانت دعوة للتّأمل و التّساؤل، و وتحفيزا للتّفسير و التّدبير..لأنّها خلقت ما نسميه بالقصّة الصّدمة (Sudden story) عكس الاخبار، فهو إقرار بذات الشّيء: كأن يصرخ السّارد المار في الشّارع:”.. إنّه ليؤلمني منظر هذا العجوز و هو يرجو صدقة من المارة ” أي تأثير لهذ العبارة؟ رغم أنّها حزينة، و صادقة .. و لكنّها لا تحظى بعناية المارة/ المتلقون . فقد يمرون و كأنّ في أذانهم وقرا..أو كأنّ السّارد لم يقل شيئا.

2) و ممّا ينبغي تجنبه أيضًا، الاكثار من الحذف بدون ترك مؤشرات دالة. و ذلك حفاظا على حجم النّص و كثافته.. هذا اعتقاد لا يعتد به. و دليل على أنّ القاص غير متمكن من أدواته. او عنده الحجم و الايجاز.. هو الأهم مع أنّ ذلك لا يشكل إلا خاصيتين تقنيتين لا ينبغي أن تكونا على حساب مسألة القص. و القدرة التأثيرية الابداعية..

3) و ما ينبغي تجنبه أيضا الافراط في استعمال الجمل الفعلية بغية التّسريع: “(acceleration) مثل : “خرج مسرعا، وقف فجأة، تذكر مفاتيحه، عاد ، تسلق الدرج بخفة، تعثر،تدحرج إلى الأسفل…”
ما هذا ؟ ! إنّ كلّ شيء زاد عن حدّه انقلب إلى ضده. ينبغي توظيف الجمل بما يقتضيه الفعل القصصي، و إن اقتضى الأمر تجنب التّسريع ، لأنّ الأهم نسق الحكي بإيجاز غير مخل..

4) تجنب الاقرار بفكرة النّص في البداية أو في النهاية ،سواء عن فصد أو عن غير قصد. و سواء في مضمون العنوان كأن يكون ملخصا للفكرة، أو في دلالة معاني الألفاظ ، فالذي يجب، و الذي هو مطلوب أن يكون النّص كجبل الثلج (iceberg) : ما يظهر منه إلا القليل ، و على المتلقي من ذات نفسه الوصول إلى الفكرة الخفية الكامنة في الأعماق، و ذلك من خلال تلافيف و بنية السّطور القليلة، و استنطاق معجم الكلمات الايحائية المعدودة..بمعنى إعادة تشفير النّص (decoding) ففي ذلك متعة القراءة، و لذّة النّص; إذ لا تصريح و لا تقرير. و كأنّ السّارد في حياد مطلق.
” يتبـع “


* مسلك ميمون *

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.