من ذكريات المكتبة (10)

من ذكريات المكتبة..

كنت أقرأ قصيدة لطفيل الغنوي / الشاعر الجاهلي، فاستوقفني قوله:
إِذا تَخازَرتُ وَما بي مِن خَزَر *** ثُمَّ كَسَرتُ العَينَ مِن غَيرِ عَوَر
فعادت بي الذّاكرة بعيدًا إلى أيّام الطفولة و بخاصّة إلى مكتبة البلدية بمدينتي وجدة.

كنت في قاعة المطالعة ، في ركني المعتاد، أطالع ” أهل الكهف ” لتوفيق الحكيم، و كان السّكون يخيم على الأجواء.. إلا من همسات من حين لآخر. وفجأة نشب خلاف بين طفلين، وتبادلا الاتهام فتدخّل القيّم، وفضَّ النّزاع بينهما.. أحد الخصمين جمع أدواته ورمي الآخر بنظرة قاسية و انصرف. و اسْتُفِزَّ الخصمُ ، و قال له بتحدٍّ:

ــ إوَا اخْزَرْ فيَّ ؟

فأثارتني كلمة ( خَزَرَ)، تركت أهل الكهف في كهفهم ، و انشغلت بالكلمة الغريبة. فكَّرتُ أن أسأل الطّفل الذي قالها، بعدَ أن يَهدأ غضبُه. ولكنَّه جمع أدواته هو الأخر وانصرف.

وذات عشية في قاعة المطالعة، لاحظت شابا وضع على الطّاولة مجلدًا كبيرًا ضخما. تصفّحه قليلا، ثمّ أعاده إلى الرفِّ.. بفضولٍ وحبِّ استطلاع طفولي. تناولت المجلد فإذا به: “لسان العرب”، حرف الحاء.. ولا عهدَ لي به من قبل. فعدت إلى ركني، و أنا لا أعلم أنّني أحمل جزءا من أجزاء كنز اللّغة العربية. فأمضيت وقتاً أبحث عن كلمة ( خَزرَ) بدون جدوى، إلى أن نبّهني شاب كان يجلس بجانبي، بأنّ “لسان العرب” ليس مرتّبَا ترتيبًا أبجديًا بل على أساس الحرف الأخير من الكلمة. ففي تلك الأثناء، فاجأني قيّم المكتبة، فنظرني شزرًا، و أخذ منّي المجلد مُنفعلا :

ــ هذا ليس للأطفال.,
بعد انصرافه، قال لي الشّاب بابتسامة ماكرة.
ــ أرأيت كيف نظر إليك القيّم؟
تلعثمت و كان الاضطراب مازال يعقد لساني و قلت :
ــ نظرني بطرفي عينيه .. و بغضب…

فضحك الشاب ضِحكة لفتت انتباه كلّ من كان في القاعة و قال:
ــ ها أنت عرفت معنى ” خَزرَ” فلا داعي ” للسان العرب “.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.