فلسفة بيجوفيتش

عزت بيجوفيتش

#طبيعة_الإنسان
يرفض بيجوفيتش تمامًا النظرة إلى الإنسان باعتباره حيوان متطور. صحيح يشترك الإنسان مع الحيوانات في كثير من الصفات البيولوجية، إلا أن للإنسان صفات مفارقة عن الحيوان؛ إذ يتطلع إلى ما وراء الموت، ويسأل (لماذا أعيش؟)، فبحث عن إله، وحرَّم على نفسه لذات، والتزم بطقوس وشعائر، وأدرك الجمال، وعرف المقدس والنجس، الواجب والحرام، بل الأهم أنه عمل بفكرة: التضحية، وهي فكرة يصعب قبول أنها تطورت طبقًا لقانون (التكيف مع البيئة)، ولم يعرف التاريخ جماعة إلا وقد اتخذت لنفسها دينًا ومقدسًا، وبنوا لأنفسهم المعابد.
ويستنتج أن “التطور ينتج حيوانًا ذكيًا، لا إنسانًا.”
أما حقيقة الإنسان، فهو مركب من روح وجسد، والجسد مجرد حامل للروح، وقد مر بمراحل يدرسها العلم، ويختص بسؤال (كيف أعيش؟)، أما الروح فلم تتطور، وإنما هي نفخة من الله، ولا يراها العلم، وإنما موضوعها الفن والشعور، وتختص بسؤال (لماذا أعيش؟)، وبدونها تصبح القيم، والمشاعر، والأخلاقيات، والجماليات، بلا معنى.
وبالتالي أصل الإنسان، ومعلم إنسانيته هو العالم الجواني، الروحي، النوايا والمشاعر.

#الحرية_الإنسانية
لما كان أصل الإنسان هو جانبه الروحاني الجواني، فيرى بيجوفيتش أن أهم دليل على وجود الروح: حرية الاختيار؛ فالإنسان ليس آلة إذا حددت مدخلاته، ضمنت سلوكه، بل لا أحد يتوقع سلوك إنسان بعد لحظة توقعًا يقينيًا، وإذا جئت باثنين وعرَّضتهما لنفس التربية والثقافة، لن يتطابق سلوكهما كما هو متوقع.
كرامة الإنسان تكمن في أن الله خلقه حرًا، متحكمًا تمام التحكم في إرادته، مسئولًا كمال المسئولية عن اختياراته. لذلك اعتبر الإسلام الخمر قضية دينية، فحرمها لا لأضرارها الاقتصادية والاجتماعية فحسب، بل لأنها تسلب الإنسان حريته ومعها كرامته.
ومن هنا كانت الديكتاتورية قبحًا ذاتيًا، حتى لو منعت شرًا، والديمقراطية خير حتى لو سمحت بشر؛ فالحرية هي الضامن للكرامة الإنسانية، وبالتالي فالدين والديكتاتورية اتخذا طريق العداء، إن عاش أحدهما، قُتل الآخر.

#الأخلاق
تقوم الأخلاق على فكرة أساسية مركزية: التضحية، وهي الحد الفاصل بين الإنسان والحيوان، فدنيويًا وماديًا كل خُلُق بلا معنى، خاسر، غير مبرر، لا تعرفه الطبيعة بقوانينها النفعية المصلحية، فأي نفع في الزهد، والتبتل، والصيام، وكبح الشهوات، ومراعاة كبار السن والمعاقين؟! وأي نفع في التضحية بالحياة للدفاع عن الحق والعدل؟! أما روحيًا، فهو أهم معنى، وأخلص قيمة.
ويضرب مثالًا لذلك برجل يخترق بيتًا يحترق لينقذ طفلًا، ثم يخرج بجثته بين يديه، دنيويًا وماديًا هو فاشل، أما روحيًا، في عالم آخر، هو بطل. ويعلق بيجوفيتش: “لا يوجد دليل يثبت وجود الله مثل هذا التنافر، ولو كان يوجد عالم واحد، ما وُجد مثل هذا التنافر.”، ويستنتج: “إن الأخلاق، كظاهرة واقعية في الحياة الإنسانية، لا يمكن تفسيرها تفسيراً عقلياً، ولعل في هذا الحجة الأولى والعملية للدين؛ فالسلوك الأخلاقي إما أنه لا معنى له، وإما أن له معنى في وجود الله، ولا يوجد اختيار ثالث. فإما أن نسقط الأخلاق، باعتبارها كومة من التعصبات، أو ندخل في المعادلة قيمة يمكن أن نسميها الخلود، فإذا توافر شرط الحياة الخالدة، وأن هناك عالمًا آخر غير هذا العالم، وأن الله موجود، بذلك يكون سلوك الإنسان الأخلاقي له معنًى ومبرر.”

#الله
تظهر المفارقة بين المادية والروحية في رؤية الفن والعلم للكون؛ فيرى العلم الإنسان هيكل عظمي، والمسجد حجارة، واللوحة الفنية كميات ملونة، فالعلم لا يرى جمالًا ولا قيمة ولا معنى. أما الفن فيرى معنى، جمالًا، حسًا، يستطيع الفن التفرقة بين الإنسان الرفيع والخسيس، الطهر والنجاسة، الواجب والحرام. “فالعلم دقيق، لكن الفن أصدق”.
من ذلك يرى أن الله مرتبط بالجانب الروحي (الأقرب للحقيقة) وليس المادي، فإن لم يوجد دليل علمي على وجود الله، فالدليل روحي، فيقول: “حتى لو لم يوجد دليل عقلي على وجود الله، فهناك حاجة إنسانية لله، حاجة غير قابلة للتفسير، وكلية الوجود (موجودة في كل زمان ومكان). يقول الملحدون: الإنسان هو الذي خلق الله وليس العكس، لكن هنا يظهر السؤال: لماذا؟ لماذا خلقه، ليس مرة واحدة بل آلاف المرات، وليس في مكان واحد، بل في كل مكان على الأرض؟!”

#العدل
أعمال المرء وأفكاره لا تعبر عنه، وإنما الأقرب لتمثيل الإنسان: نواياه، ودوافعه الخيِّرة أو الشريرة، لأن الأعمال محصورة بالإمكانيات، والأفكار بنت التربية والبيئة، أما النوايا فللإنسان كامل الحرية والقدرة على التحكم بها.
لذلك يرى أن الحكم العادل هو الحكم على النوايا، وهي محط نظر الإله؛ فلا ينظر إلى أعمالنا ولا أفكارنا قدر عنايته بنوايانا، ودوافعنا، خير أم شر، (ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم).
ويضرب لذلك مثالًا: قتل رجل امرأة عجوزًا ليسرقها، وآخر يعمل في مفاعل نووي، وأخطأ خطأ حسابيًا، فقُتل مئات .. أيهما المجرم؟
ومن هنا يرى أن للتاريخ روايتان: الرواية التقليدية تتعلق بالعالم الخارجي؛ مجرد أحداث ونتائج، وقرارات، وإحصائيات، لا تكفي للحكم على البشر. أما التعبير الأصدق هو الرواية الجوانية؛ دوافع الأشخاص، نواياهم، شعورهم، وبذلك فالرواية “الجوانية” أصدق تعبيرًا من التاريخ الظاهري.

#الإسلام
ويرى بيجوفيتش أن صحة الإسلام تكمن في قدرته على تفهم ثنائية الإنسان (جسد وروح)، فالإسلام – مثل الإنسان – له جانب روحي/جواني/صوفي وجانب مادي/واقعي/عقلاني.
– الإسلام يشترط إيمان قلبي (جواني) .. وعمل (واقعي).
– الإسلام خطاب نظري علمي في (القرآن) .. وسيرة عملية واقعية في (السنة).
– الإسلام (خلوة) في غار حراء .. و(جهاد) في مكة.
– لا يكتمل الإسلام بدون (الصوفية) .. و(علم الكلام).
– الصلاة دعاء (بالقلب) .. ونظافة وحركات (بالجسد).
– الإسلام (فردي) خاص بين العبد وربه .. و(اجتماعي) يشترط الانتماء لجماعة المسلمين، والالتزام بشعائر إجتماعية ظاهرية، وفروض كفاية تخاطب الجماعة ككل.
– الإسلام يعرف (الإلزام) القانوني في فرض الزكاة بالقوة، وإقامة الحدود .. و(يحث) الضمير الإنساني ليستزيد من الصدقات ذاتيًا، ويعفو عن المذنب.
– الإسلام يدعو (للزهد) .. ويوقف الأوامر (منعًا للحرج) والمشقة.
– المسجد مكان روحي للاتصال بالله .. ومكان للدراسة والتشاور في الحياة الدنيا، يمكننا تسميته (مسجدرسة)
ويستنتج بيجوفيتش: “يمكن تعريف الإسلام بأنه دعوة لحياة مادية وروحية معًا، حياة تشمل العالمين الجواني والبراني، أو كما يقرر القرآن: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا)، انطلاقًا من هذا التعريف نستطيع القول: إن جميع الناس، أو أغلبهم، مسلمون بالإمكانية.
ومن هنا جاءت أهميه الإسلام باعتباره الحل الأمثل للإنسان؛ لأنه يعترف بالثنائيه في طبيعته‏.‏‏ وأي حل مختلف يُغَلِّب جانبًا من طبيعه الإنسان على حساب جانبه الآخر من شأنه أن يعوق انطلاق القوى الإنسانيه أو يؤدي إلى الصراع الداخلي‏.‏ إن الإنسان (بطبيعته الثنائية) أكبر حجة للإسلام‏ “

يدمج بيجوفيتش كل رؤاه وأفكاره ليستخلص الحقيقة التي ارتضاها قلبه: “الإيمان البسيط بالمسئولية بعد الموت، أي أن الإنسان سيُحاسب على أعماله وماذا فعل بحريته، هذه الفكرة البسيطة تبدو لي هي الحقيقة الوحيدة، الفكرة الوحيدة التي تضفي على هذا العالم قيمة ومعنى”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.