حوار مع د يوسف حطيني حول ال (ق ق ج)

د. يوسف حطيني: القصّة القصيرة جدّاً قابلة للنّجاح، حتّى لو افتقرت للجرأة.

د يوسف حطيني

طرطوس، سوريا: حسام الساحلي.

بعد أن كثر الجدل، وتشابكت خطوط التعريف حولها، القصة القصيرة جداً في الممارسة العربية، عملنا على سلسلة لقاءات، حاورنا فيها عدداً من النقّاد العرب الذين لهم كتب ودراسات نقدية مهمّة في هذا الفن الكتابي، وذلك تحت إشراف الدكتور زهير سعود، صاحب الموسوعة الأكاديمية “فن القصة من الملحمة إلى الومضة”.

أحد الضيوف كان الدكتور يوسف حطيني الحائز على إجازة دكتوراه في اللغة العربية قسم النقد الأدبي الحديث من جامعة دمشق، وحالياً أستاذ جامعي ومحاضر في أبوظبي.. لمعرفة المزيد كان لنا معه هذا الحوار:

* كيف تعرّف باختصار فن القصّة القصيرة جداً؟
– لم أتورّط مرة بتعريف القصة القصيرة جداً، ولكنني أدرك هويتها، وحدودها، إلى حدّ بعيد، فهي تنتمي إلى الفنون السردية الحكائية، وتبلغ حداً لافتاً من القصر الذي لا ينتج عن تكثيف اللغة، بل عن تكثيف العناصر البنائية؛ ذلك أن تكثيف اللغة سمة يمكن أن تتميز بها الرواية والقصة القصيرة وغيرها. وقد شهد العقد الأخير من القرن العشرين وما بعده اجتهادات نقديّة لافتة لتحديد أركان القصة القصيرة جداً وتحديد أركانها على يد د. أحمد جاسم الحسين ود. يوسف حطّيني، ثم بعد نحو عقد من الزّمن على يد د. جميل حمداوي، استناداً إلى نصوص سرديّة تبلغ غاية القصر، وتمتلك كلّ مقوّمات القصّ. وعلى الرّغم من وجود خلافات في تحديد الأركان الأساسية للقصّة القصيرة جداً، فإنّ الحكائيّة والتّكثيف والوحدة النّصّيّة والبناء الفعلي للجملة والمفارقة تشكّل أسساً لا غنى عنها؛ لكي ينتمي هذا النّوع من الكتابة لفنون السّرد.

* هل ترى الفنّ جنساً أدبياً أم أنه نوع قصصي؟ وما الدلائل الجوهرية التي تستند عليها لإثبات الرأي؟
– لا أرى الخلاف جوهرياً بين من يعدّ القصة القصيرة جداً نوعاً أو جنساً، إذ إن ذلك الخلاف يعود إلى دلالة المصطلح؛ فثمة من يقسم الجنس الأدبي إلى أنواع، وثمة من يقسم النوع الأدبي إلى أجناس. غير أنني يمكن أن أقول باطمئنان، وبعيداً عن هذين المصطلحين: إن فنون النثر الحكائي متعددة ومعروفة، ومنها: الدراما التلفزيونية والمسرحية والرواية والقصة والمقامة، ومنها أيضاً: (القصة القصيرة جداً)، وتشترك كل هذه الفنون بالحكائية التي تقوم على حبكة تُطوّر البدايات إلى النهايات، وتعبّر بوساطة  اللغة عن أحداث تقوم بها الشخصيات وحوادث تقوم بها الطبيعة أو غيرها، وتجري في أمكنة وأزمنة محدّدة بشكل مباشر أو غير مباشر.

%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A7%D8%AA%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B7%D9%82%D9%8A%D8%A9

* كيف تنظر للخصائص التي تميّز القصة القصيرة جداً عن القصة بأنواعها: (الرواية، القصيرة)؟
– قدّمت ذات مرة بحثاً إلى مؤتمر في مسقط حول (استقلالية القصة القصيرة جداً)، ودافعت فيه عن هذا الفن، بوصفه جنساً أدبياً مستقلاً، له أركانه وميزاته التي تميزه من فنون النثر الأخرى، وتجعل منه مصطلحاً مستقرّاً تنضوي تحته مجموعة من النصوص الإبداعية التي تشترك بصفات محددة، وقد تجسّد ذلك التمايز في كثير من عناصرها، فعلى صعيد الشخصية يكتفي بتقديم ما هو ضروري ومختزل، وبعدد محدود جداً من الشخصيات، قد لا يتجاوز شخصية واحدة في بعض الأحيان. والشخصية لا تستنفد في بنائها جميع طرق البناء الممكنة للشخصيات بل إنها، بما فيها البطل، تشبه إشارات برقية، يسهم خيال القارئ في ترميم نواقصها. كما أنّ لحظة ولادتها في القصة القصيرة جداً لا تنطلق من وضعها المستقّر إلى وضعٍ مأزوم، بل تبدأ من أزمتها، وللقارئ أن يتخيّل الاستقرار القبلي الذي عاشته الشخصية تبعاً لذائقته وثقافته وقدرته على التخيّل. وبالنسبة لخصوصية الحبكة، نقول: إن القصة القصيرة جدّاً تعتمد على الحبكة المعقّدة، لا على الحبكة البسيطة، لأنها تفترض، بالضرورة، تغيّر مصير البطل بعد مواجهة ظروف تأخذه إلى موقع آخر، يختلف عن موقعه الابتدائي، في حين أنّ فنون النثر الأخرى تعتمد على نوعي الحبكة. 

وعلى الرغم من أنّ جميع فنون النثر الحكائي تشترك في توظيف الحبكة بجميع عناصرها (بداية ـ عقدة ـ خاتمة) فإنّ الأمر يبدو مختلفاً في القصة القصيرة جداً، إذ إن جسد القصة يجعل التقسيم المنهجي غير ممكن في كثير من الأحيان. فالبداية التي اعتدنا أن نسمع أنها أول ما تصادفه عين القارئ تصبح في القصة القصيرة جداً أول ما يخطف بصر القارئ، وعلى القاص هنا، إذا أراد أن ينجح في مهمته الأولى تجاه المتلقي أن يأخذ بيده، دون إبطاء إلى الجمل التي تليها، بعيداً عن الوصفية والتقريرية والإنشائية. ذلك أن استثمار الوصف والتقرير والإنشاء فيها يدخل في باب المحظورات التي تبيحها الضرورات الفنية.أمّا فيما يتعلّق بالعقدة التي تمثّل ذروة الصراع بين البطل والبطل المضاد، أو البطل والظرف المضاد، فإنّ القصة القصيرة جداً تنأى عن العقدة الكبرى التي تتشعب إلى مجموعة من العقد الصغيرة، وتتمحور حول عقدة واحدة، تتجه الحكاية نحوها مباشرة، لتنتج أزمة ثمّ حلاً يوصل إلى النهاية. بينما تأتي النهاية القصصية، في القصة القصيرة جداً، حاسمة سريعة، تتشكّل من خلال عبارة نهائية تحقق التنوير، من دون اختصار مُخلٍّ، ودون تطويل مملٍّ. ولا تحتمل إضافة تعبير ما، أو قول مأثور ما، أو عبارة مسجوعة ما، بعد النهاية الحدثية، فليس ثمة حاجة لنوافل القص في هذا الجنس الأدبي.

* لوحظ خلاف بالرأي حول محددات الفن، وما يمكننا نعته بالأركان، فكيف ترون تلك العناصر البنائية على أهميتها؟
– لا أميل كثيراً إلى مخالفة الآخرين، وكنتُ في كتابي (القصة القصيرة جداً بين النظرية والتطبيق) استخدمتُ مصطلح الأركان للدلالة على الأسس الواجب توفرها، والتقنيات للدلالة على الروافع غير الضرورية التي يمكن استخدامها (ويمكن اطّراحها) من مثل الأنسنة والتصوير والأسطرة، وبناء التضادات اللغوية، وكل ما تتيحه اللغة لتجميل النص. ولا يهمّني بعد ذلك إن سمّى أحدهم الأركان أسساً أو دعائم، وقد أشرتُ إلى أنني أرى أركان/ أسس/ دعائم القصة القصيرة جداً هي: الحكائية والوحدة والتكثيف والمفارقة وفعلية الجملة، أما التقنيات فلا حصر لها، وهي مرهونة بقدرة المبدعين على الخلق.

* هناك من يرى أن القصة القصيرة جداً هي القصّة الومضة، وبعض النقاد يرون أنهما جنسان أدبيان متمايزان، فكيف تنظرون لدلالة التعبيرين؟ وكيف تدافعون عن موقفكم؟
– ليس هناك فرق جوهري بين القصة القصيرة جداً والقصة الومضة، وهناك كثير من المصطلحات التي أطلقت على هذا السرد القصير جداً، وإذا كان بعضهم يرى أن الومضة أقصر من القصة القصيرة جداً فأنا لا أتفق معه، لأن القصة القصيرة جداً في رأيي تحتمل القصر الشديد جداً، إذ إنها، كما ذكرتُ في كتابي (مصطلحات السرد في النقد العربي الحديث)، يمكن أن تقصر إلى حدّ تحتوي فيه عبارتين سرديّتين بينهما انفصال زمني. وأشير هنا إلى أن هذا السرد القصير جداً لم يكن غائباً عن أنظار السّرديّين؛ فوفقاً للابوف يحتوي أصغر قصّ على انفصال زمنيّ واحد. ووفقاً للسّرديين فإنّ القصّ الأدنى يحكي واقعتين أو موقفين على الأقلّ (أو واقعة واحدة وموقف واحد)، يتضمنّان موضوعاً متّصلاً ويشكّلان كلّاً متكاملاً.

* لا شك أن لكل فن من الفنون الإنسانية (ومنها الأدبية بالطبع) نموذجاً شاهداً، تكتمل فيه عناصر البناء الفنّي، فما هو نموذجكم الشاهد في هذا الفنّ؟ ولماذا؟
– هناك الكثير من النماذج الشاهدة الّتي تعلي قيمة هذا الفنّ، وقد جمعت قبل خمسة عشر عاماً مئة نموذج كتبها عشرون قاصاً، تنتمي إلى هذا الفن، وجمعتها تحت عنوان (بروق)، ثم صدرت في دمشق/ 2001. وأشير هنا إلى أن تلك النماذج تتفاوت فيما بينها، ولكنها (تنتمي) إلى هذا الفن، وترسّخ جذوره، كما أصدرت مجموعتين قصصيتين في هذا الإطار، إحداهما عن دار اليازجي في دمشق/ 2001 (واسمها: ذَماء)، والثانية عن دار الوطن في الرباط/ 2014 (واسمها: جمل المحامل)، وكانت هاتان المجموعتان تدوران في أغلب قصصهما حول فلسطين؛ لتثبتا أن القصة القصيرة جداً قادرة على حمل القضايا الكبرى.

وإذا كنتم تريدون نماذج فسوف أختار نموذجين للكاتبين السوريين عماد نداف، وعبير إسماعيل، مع التأكيد من جديد أنّ النماذج الجيدة أكثر من أن تحصى، ولكن الذهب يضيع بين الرغام في الفضاء الأزرق.

قصة (أمركة) لعبير إسماعيل: “لقد استطاعت أن تنتقم من قلبها الذي جعلها تحب عربياً، فعملت على أمركته. كان إكراماً لعينيها يرتدي الجينز، ويتناول غداءه في مطاعم ماكدونالدز، ويتكلم الإنكليزية باللكنة الأمريكية، ويرفع العلم الأمريكي على سارية فوق بيته كبقية المتعصبين. لكنه عندما أصيب بالحمى أثار دهشة زوجته وجميع الأطباء المتحلقين حول سريره، فقد كان يهذي ويغني بلغته، وبصوت قروي حزين: “بي بي الغربة.. الوطن حنونا”.

قصة “دمشق” لعماد نداف: “كان مسافراً في الأمصار البعيدة.. أحبوه، فتجمعوا حوله. ثم سألوه: كم تبعد الشام من هنا؟

فقال بثقة وسرعة: نحو ذراع! ضحكوا وظنوه يمزح.. ثم قال قائل منهم: أنت تبالغ!

لكنه ألحّ قائلاً: أينما كنت أستطيع أن أضمها إلى صدري”

* يتفق النقاد على قيمة الكثافة في النص القصصي القصير جداً، ومن الواضح أن هناك فروقات في تحديد مفهوم التكثيف للقصّة، فما مفهومكم لهذا الركن البنائي؟
– التكثيف هو ركن من أركان القصّة القصيرة جدّاً، ويسمّيه بعضهم التّركيز، وهو يختلف عن التّكثيف اللّغويّ والشّعوريّ الّذي نجده في القصّة القصيرة؛ لأنّه بنيويّ، بمعنى أنّه يفترض انعكاسات تتجسّد على مستوى البنية الحكائيّة. ومن آثاره ابتعاد القصّة القصيرة جداً، في الغالب، عن تسمية الشّخصيّات الّتي تقوم بالوظائف الأساسيّة في الحكي، وتقديم الشّخصيّة النّموذج الّتي ترتبط في ذهن القارئ بمجموعة من سمات يختصرها السّرد، والاعتماد على البنيّة اللازمنيّة للسّرد، وتجنّب التّهيئة السّرديّة، واقتصار الصّراع، في كثير من الحالات، على مجابهة قدر أو وسط اجتماعيّ أو ظرف سياسيّ سائد؛ لأنّ تلك الحالات تتيح للقاصّ الإفادة من وضع عام، ليس بحاجة إلى تعريف القارئ به، وهذا ما يمنح قصّته مزيداً من إمكانيّة الاختزال.

* يصرّ البعض على اعتبار القصصية أول ركن بنائي في حين يرى الآخر الحكائية، فهل ترون فروقاً بين المصطلحين، وأيهما ترونه الأنسب؟
– لا أظنّ أن هناك من يصرّ على جعل القصصية “أوّل ركن” بنائي حتى الآن، فليس ثمة تراتبية في الأركان، وأذكر هنا أن الدكتور أحمد جاسم الحسين استخدم مصطلح القصصية، بوصفه أحد الأركان، بينما ملتُ إلى استخدام مصطلح الحكائية؛ وهو مجرد خلاف اصطلاحي، وقد دعاني لتفضيل مصطلح الحكائية لإحساسي أن مصطلح القصصية خاص بالقصة، (تماماً مثل مصطلح الروائية الخاص بالرواية، ومصطلح الأدبية الخاص بالأدب)، وأما دلالة مصطلح الحكائية الذي أفضله فتمتد إلى جميع أنواع النثر الحكائي.

* تتمايز الأجناس والأنواع القصصية بسمات عناصر القصة للحدث والشخصية والبيئة وما ندعوه بالحبكة في تجميع تلك العناصر، فما الخصائص الواسمة لحبكة القصة القصيرة جداً؟ وكيف نميز كل عنصر عن قرينه في الأشكال السردية المغايرة؟
– تنبع خصوصية الحدث في القصة القصيرة جداً من ضرورة التكثيف الذي يجحكم النص، فإذا كانت الرواية والقصة القصيرة تفترض تغيّر شكل الحدث من المستقرّ إلى نقيضه، فإن من المفترض في القصة القصيرة جداً أن تبدأ بالنقيض غير المستقرّ تاركة للقارئ مهمة تخيّل الاستقرار القبلي. وهذا ينعكس على وظائف الحبكة؛ إذ تبدو كلُّ علاقةٍ لا وظيفةَ لها، ناشزةً بشكل واضح للعيان. على أن ذلك لا يعني بحال من الأحوال أنَّ العلاقة الحبكوية التي تنتظم الحوادث المختلفة يجب أن تعبّر عن وظيفتها السببية بشكل مباشر، لأنّ الشكل هو خيار المبدع، فالمبدع هو الذي يختار التعليل المباشر، أو غير المباشر، لبنائها.

* هل ترون تمايزاً بين لغة القصة الكلاسيكية والحداثية؟ وما هي لغة القصّة القصيرة جداً؟
– طبعاً هناك تمايز واضح، فقد جنح السرد، مع مرور الزمن، إلى الاختزال بشكل عام، ويمكن لأي قارئ أن يلمس الفرق بين روايات دوستويفسكي وتولتسوي وزولا وهوغو، وبين الروايات الحديثة، ويعود السبب إلى ميل لغة الحداثة إلى الوصف السردي على حساب الوصف الإنشائي غير السردي. ونظن أن (مربط الفرس) يكمن ها هنا بالضبط بالنسبة للقصة القصيرة جداً؛ إذ ليس ثمة مكان لأي نوع من الوصف غير السردي، وقد أشرتُ في كتابي (القصة القصيرة جداً بين النظرية والتطبيق) إلى أن (فعلية الجملة) أي قدرة الجملة على الفعل، تعدّ ركناً من أركان هذا الفن، لأننا بحاجة إلى لغة فاعلة حاسمة تقود الحدث، والفعلية هنا لا تعني (الجملة الفعلية) فحسب، بل كل الاشتقاقات اللغوية القادرة على الفعل من مثل اسم الفاعل والمفعول وغيرهما.

* ماذا تقول في صفات الخطاب السردي للقصّة القصيرة جداً؟. وكل تأطير للقصّة الأصلية هو بحاجة الخطاب بين جهتين.
– الخطاب متن حكائي، ومبنى حكائي، وأظنّ أن لا مشكلة بيننا وبين المتون، لأننا نعيش في منطقة تعاني من الأزمات الوطنية والذاتية تجعل المتون مطروحة في الطرقات، أما المبنى الحكائي فهو قضية القضايا، وهذا لا يتعلق بفن القصة القصيرة جداً فحسب، بالفنون الأدبية جميعاً. وإذا كنتم تقصدون بالخطاب: الحوار بين النقاد، فلا شك أن أي حوار يضيء الأفكار، ويوسّع آفاق المتحاورين.

* يرى البعض أن الجراءة ركن من أركان القصّة القصيرة جداً، في حين يراها البعض تقنية من التقنيات، فما هو رأيكم؟ وكيف تفندون ذلك في مخالفة الرأي الآخر؟
أرى أنكم تستخدمون كلمة (الجراءة) في سؤالكم، والجراءة والجرأة مِثْلان، وقد عدّ الدكتور أحمد جاسم الحسين الجرأة ركناً، وسبق أن أشرت في أكثر من مكان إلى أن القصة القصيرة جداً قابلة للنجاح، حتى في حال افتقارها للجرأة، ويمكن بالطبع أن نستثمر الجرأة في المتن الحكائي، وهي لا علاقة لها بالمبنى الحكائي الذي يهتم بالأركان.

* يتردد مفهوم الثنائية اللغوية في بعض الدراسات الخاصّة بالقصّة القصيرة جداً، ماذا تقولون بالمصطلح، وهل هو من الأركان أم التقنيات، أم أنه لا يمتلك قيمة نقدية في هذا الفنّ؟
– مصطلح الثنائية اللغوية/ أو الازدواجية اللغوية متعدد الدلالات، فإذا كنتم تقصدون استخدام لغتين في الكتابة فلا أجد أنه ذو علاقة مباشرة مع هذا الفن، وأجزم هنا أنه ليس من أركانه، غير أنني لا أصادر حرية الآخرين في إمكانية الإفادة من الثنائية/ الازدواجية اللغوية، بوصف ذلك تقنية ممكنة الاستخدام، ويبقى نجاحها مرهوناً ـ شأنها شأن التقنيات كافة ـ بمناسبتها للسياق وحسن توظيفها.

%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9

* من الملاحظ وجود نشاط مميز لمقاربات هذا الفن، فما رأيكم بما ينشر على صفحات التواصل والكتابات الورقية؟ وما تجريه بعض المجموعات من مسابقات بخصوص الفنّ؟
– النشاط لا يعني التميّز بالضرورة، هناك نشاط كبير، وروابط ومؤسسات وأندية ومسابقات، ترفع كلها شعار القصة القصيرة جداً، وقد ظنّ بعض نشطاء وسائل التواصل أنّ القصة القصيرة جداً، والكتابات الشذرية بشكل عام، فن سهل، يركبه الجميع، كما كان يركب شعراؤنا القدماء بحر الرجز. وقد أساء كثير من مدّعي كتابتها إليها، تماماً مثلما يسيء غير الشعراء إلى الشعر. وسبقت الإشارة إلى أن هناك نصوصاً متفوقة في هذا الفن، ولكننا نترك القرار للمستقبل الذي يقوم بالغربلة والاصطفاء، “فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ”.

* هل من نصائح تقدمونها للهواة في كتابة القصّة القصيرة جداً؟
– هناك نصيحة سريعة ومختصرة، وهي لا تخص كتّاب هذا الفن خصوصاً، وتتلخص في الدعوة إلى القراءة قبل خوض غمار الكتابة؛ لأن القراءة تهذب النفس واللغة، وتجعل المرء قادراً على استيعاب قيمة ما يكتبه بالقياس إلى ما يكتبه الآخرون، فلا يضع نفسه إلا في الموضع الحقيقي الذي يسعى إلى تحسينه بشكل مستمر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.