(ق ق ج ) و دور النّقد.
لما نشرت مقالي السّابق : ” (ق ق ج) بين الابهام و اللا قراءات” كان من جملة التّعاليق، تعليق الأستاذ القاص مهدي الجابري من العراق و هو كالتالي:
(اذن الكاتب الآن في دوامة كيف يعرف انه على صواب؟ وانت متابع جيد كيف يتخلص من الآراء والمزاجات؟هذا يرغب بالتكثيف ومنع التكرار وهذا يطلب الانفتاح والمطاولة وابتعاد عن خنق النص.. احدهم يكتب برمزية عالية تحتاج قواميس لكنها تخلو من المفارقة والدهشة.. الا نحتاج من اناملك الكريمة تقول: هذا النص متكامل حتى نبني عليه وهذا النص غير متكامل يحتاج كذا وكذا.. الا تتفقون انتم السادة النقاد على منهجية نتبعها.. انا شخصيا اطلب منك حتى ولو من الخاص تقول: إن وجدت نصا متكاملا ” هذا صحيح” )
سأحاول الاجابة عن ما أثير في هذا التّعليق:
1ــ (اذن الكاتب الآن في دوامة كيف يعرف انه على صواب؟ )
الكاتب / القاص ينبغي أن يعيش دوامة الإبداع. بمعنى القلق الابداعي، و عدم الاطمئنان الكلّي، فذلك يحفزّه على البحث المتواصل، و الابتكار المتوالي.. و حسبه أنّه يمتلك المبادئ الأساسية ” Fundamental principles” لأنّه إذا اطمأن لكتابته كلّ الاطمئنان، انتهي ككاتب و مبدع. يقول أدونيس عن أعماله التي أنجزها : ” إنني قليل الثقة جدا بكل ما أفعله شعرا و نثرا و أي شيء.. لدي شعور شخصي بأن كل ما أفعله في جميع الميادين ما هو إلا تجربة البداية الصحيحة و أشعر بأنني لم أصل بعد إليها .” *
2 ــ (وانت متابع جيد كيف يتخلص من الآراء والمزاجات؟ ).
ها أنت قلتها : ( المزاجات ) النقد ليس مزاجا، و أهواء، و انفعالات آنية .. النّقد الحقيقي دراسة، و بحث، و مقارنة، و مقاربة، و شواهد و أدلة، على المستوى التقني، و الاستمولوجي، و القدرة التّواصلية ، و نحو النص “Test grammar”، و اعتماد المنهج العلمي، بحيث لا يملك المبدع إلا أن يقتنع به، أو على الأقل لا يرفضه..
أمّا المزاجات لا تكون إلا في القراءات اللاّمسؤولة. للذين نصّبوا أنفسهم نقادًا بدون عدّة و لا زاد . فلا ينبغي التّعامل مع قراءاتهم إلا بحذر شديد. فالحقائق الدّامغة لا تأتي من فراغ..
3 ــ ( الا نحتاج من اناملك الكريمة تقول: هذا النص متكامل حتى نبني عليه وهذا النص غير متكامل يحتاج كذا وكذا.) لا شكّ أنّ دور النّقد لا يعدو إلاّ أن يكون كذلك .. لكن ليس لتحديد كمال النّص. فلا وجود لنص كامل ” full text ” إلاّ القرآن الكريم . فكلّ ما يأتي به البشر عرضة للنّقص. و ليس عيبا أن يعتري النّص الإبداعي نقص ما، فذلك من طبيعة الأشياء.. إنّما العيب أن يتكرّر النّقص إلى أن يترسخ قاعدة متبعة. و يأتي المتأدبون الشباب فيتخذونها نهجًا منتهجا.. و لذلك النّقد لا يتغي البحث عن الكمال، بل يرصد مكونات النّص و مدى فاعليتها أو العكس.. ليس إلاّ. باعتبار النّص : حقيقة افتراضية “Virtuel reality”
4 ــ (الا تتفقون أنتم السّادة النقاد على منهجية نتبعها ؟ ) النقاد لا يتفقون إلا على البديهيات، و في غير هذا كلّ ورؤيته المنهجية العلمية، التي ليس من المفروض اتباعها، و لكن يُستحسن الاستئناس بها. من أجل إبداع واع قيّم ..
ثمّ ليس دور النّقاد أن يتّفقوا على منهجية للإبداع القصصي يتّبعها المبدعون، فلو فعلوا ذلك من باب الافتراض. ستكون النّمطية هي النّتيجة ، و لا إبداع مع التّنميط . ” stereotyping “
5 ــ (انا شخصيا اطلب منك حتى ولو من الخاص تقول: إن وجدت نصا متكاملا ” هذا صحيح )
كما أسلفت ليس هناك ما نسميه نصا متكاملا إلاّ من باب المَجاز . لأنّ إيجابياته تهيمن على سلبياته حتّى تكاد تلغيها..أو تجعلها غير ذات أهمية..و سواء أنا أو غيري سنجد نصوصًا متفاوتة الجودة.. و لكن لا أحد سيجد نصًا كاملا، و ذلك لتفاوت القدرة الإبداعية..
/ مسلك ميمون /
* قولة أدونيس : جريدة الشرق الأوسط العدد 12267 ( الجمعة 10 شعبان 1433 ــ 29 يونيو 2012