إشكالية ال(ق ق ج) و شبيهاتها

إشكالية ال (ق ق ج) وشبيهاتها

ال (ق ق ج) جنس مستحدث. رغم أنّ البعض من المنظرين و النّقاد العرب ينبشون في التّراث العربي، رغبة في التّأصيل، فيأتون بكتابات مختلفة، و يزعمون أنّها تشكل جذور و بدايات هذا الفن و شاهدهم في ذلك: القصص الشّفوية، والحكايات المقتضبة، و أحاديث السّمر المختلفة، و الأساطير، و الخرافات، و نكت الإضحاك، و الطّرائف الغرائبية، و الأمثال، و الحكم، و الألغاز/ المعميات، و ترنيمات الألعاب، و الأدعية، و المواعظ، وغريب الأخبار، و منوعات التّكذيب ..

لا شك أنّ كلّ هذا و غيره له ارتباط بال (ق ق ج). بل أحيانُا كثيرة ، يقع الذين لم تنضج لديهم ملكة الكتابة القصصية، في خلط فاضح، كأن يُؤتى’ بأحد هذه الأشياء السّابقة الذّكر باعتبار أنّها (ق ق ج)، انخداعًا بقصر الحجم، و المفارقة، و السّرد…

و لكن ليس كلّ نص قصير ( ق ق ج). و ليس كلّ نص فيه مفارقة (ق ق ج)، فنصوص الشّعر، والرّواية ، و المسرحية، و المقامة، و حتّى نصوص الهايكو.. فيها مفارقات. كما أنّ سرد نص ما، أو مقولة، أو عرض.. لا يجعل منه ـ بالضّرورة ـ (ق ق ج).

و لكن قد يحدث أحيانًا، أن نجد مصادفة، نصًّا قديمًا، لم يكتب بقصدية ليكون ( ق ق ج)، و لكن يأتي مفعما بروح القص، و كأنّ مبدعه القديم و المجهول يُعايشنا. مثال ذلك ما قرأته ذات يوم :

” يحكى أنّ ملكًا في الشّرق، كلّف مستشاريه الحكماء يوما أن يبتكروا له جملة تبقى ماثلة دائمًا في الأذهان، تكون صادقة ، لكلّ الأحوال و الأزمان، فجاؤوا بهذه الكلمات : “و هذه أيضًا ستزول.”

و الواقع الذي لا مفرّ منه . أنّ ال (ق ق ج) بطبعها ،عنيدة في تركيبها، و مشاكسة في تعاملها و تقاطعها مع الأجناس الأخرى.. رغم ضآلة حجمها، و قلّة لفظها.. فهي تمتحُ من كلّ الأجناس، كالنّحلة الشّغّالة التي تطلب الرّحيق أنّى’ وُجد في الأزهار المختلفة ، فيأتي انتاجها مختلفا تماما ،ليس كالرّحيق، و لا كلون الزّهور. فكذلك ال (ق ق ج) في تعاطيها، و تقاطعها مع الأجناس الأخرى، فإنَّها تحافظ أساسا على تكاملها المتميّز، و أسلوبها الخاص في الأداء، و لغتها القصصية الخاصّة. و إيقاعها السّريع، و وخزاتها المؤثّرة، و أبُعادها التّخييلية، و رؤاها التّأمّلية..

إذًا أين الإشكال؟)

الإشكال في عدم توفر الانسجام المعرفي “Cognitive Harmony ” عند البعض، و كذلك عدم التّمييز النّوعي الدّقيق. بالاستئناس باللّسانيات الإدراكية “Cognitive linguistics’

لأنّها بطبيعة اشتغالها تبحث في العلاقة بين الثّقافة، و اللّغة، و الإدراك، و هي تعالج اللّغة باعتبارها جزءًا لا يتجزّء من الثّقافة و المعرفة.

لهذا لم تستقم كتابة ال (ق ق ج) عند البعض حتّى الآن. و إنْ تميزوا بإصدار مجموعات قصصية. فذاك لا يَشفع لهم ..ففي غياب المتابعة النّقدية الجادة و البنّاءة، و المُوجِّهة الفعّالة. و انتشار الكتابة الغوغائية اللاَّ مَسؤولة، لسهولة النّشر، و توفر وسائله .. سيستمر ـ مع الأسف ـ هذا الرّكام من اللاّ قصّة، كما استمر اللاَّ شعر باسم : حرية التّعبير،”و اتركه يكتب كما يشاء..” و كأنّ فنّية الكتابة فوضى. فكلّما عمَّ هذا النّوع من الخطاب، عمّ بؤس الإنتاج ، و قلّت الجودة، و اختفت مقوّمات الإبداع. لأنّ الكتابة الفنّية، و الفنون عامّة.. قيم و مسؤولية .

* مسلك *

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.